في رحاب تاريخ بلاد دكالة الحلقة الخامسة عشر

doukkala24
تقافة و فنون
28 أبريل 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
في رحاب تاريخ بلاد دكالة الحلقة الخامسة عشر

دكالة 24:

استطاع البرتغال في شبه رد فعل له عن الفتوحات الإسلامية ، أن يقوم بحملات مستمرة قصد احتلال بعض شواطئ المغرب ومدنه الساحلية ومن أبرزها منطقة دكالة ، مستغلا في ذلك الأوضاع المنهارة التي كان يجتازها المغرب آنذاك ، غير أن صلابة وقوة أبناء المنطقة وشجاعة قبائلها وأعلامها من رجال التصوف والتربية الروحية … ودور الزوايا في التحريض على مواجهة المستعمر اضطر البرتغاليون إلى مغادرة المنطقة.

خلال هذه السلسلة سنفتح نافذة على أهم المراحل التي مرت بها منطقة دكالة وخاصة إبان الاحتلال البرتغالي وكيفية التصدي له من طرف القبائل والمدن والقرى  وأعلام  المنطقة … حتى إجلائه عنها مستعينين في ذلك بالعديد من المراجع والمصادر.

—– إعداد: أحمد مسيلي —— الحلقة 15

فخلال النصف الثاني من القرن 11 الميلادي الموافق للقرن 4 الهجري غادر أبو الفداء إسماعيل الملقب بأمغار صحبة أخوين له هما يعقوب و أبي زكرياء الجزيرة العربية في اتجاه المغرب الأقصى إلى أن وصلوا إلى تيط ، فاستقر إسماعيل أمغار بها بينما غادراها أخواه في اتجاه الجنوب ، إذ نزل يعقوب بشبوكة وأبو زكرياء ببلاد حاحا . استقبل إسماعيل أمغار بترحاب من لدن قبائل صنهاجة وكدالة استقبالا حسنا ، وزوجه زعيمهم مولاي عبد العزيز بوبطان بابنته كنزة التي رزق منها بإسحاق الذي خلف والده في قيادة الرباط  ، وكان على غراره ورعا متعبدا فبنى مسجدا في نهاية القرن الحادي عشر للميلاد ، ثم أن أحد الأمغاريين وهو مولاي عبد الله الذي يظهر لنا عند الأزموري زعيما قويا قال فيه محمد الكانوني في كتابه ” آسفي وما إليه ” ص 16 وهو بصدد الحديث عن الأسرة الأمغارية : هذا البيت عظيم القدر غزير الفضل … كان واسطة عقدهم الشيخ الإمام أبو عبد الله سيدي محمد بن أبي جعفر ابن إسماعيل الحسني الإدريسي المدعو ” أمغار الكبير ” أسفر بتيط في منتصف القرن الثاني عشر ميلادي رباطا مهما وخلال فترة حكمه توسع هذا الرباط وأصبح مدينة .

كتاب عبد العظيم الأزموري يجعل مولاي عبد الله أمغار معاصرا لمولاي بوشعيب دفين آزمور سنة 1165 م – 1166 م كما يجعله معاصرا ليوسف ابن تاشفين والخلاصة أن تيط رباط بحري كبير أسسته أسرة شريفة رابطت بالمنطقة في منتصف القرن الثاني عشر ميلادي . وعندما نزل البرتغاليون سنة 1513 م بمدينة آزمور أعلن سكان ” تيط خضوعهم والتزموا بأداء إتاوة سنوية ، لكن السلطان الو طاسي محمد المعروف ” بالبرتغالي ” نظم حملة عسكرية ضد البرتغاليين واستولى على تيط وقتل جابي الملك البرتغالي ، ورحل سكان المدينة إلى ضواحي فاس ثم أمر بتخريب الأسوار حتى لا يستعمل البرتغاليون هذا الحصن سنة 1514 م . ويذكر الكانوني أنه قد دفن بتيط من الامغاريين الشيخ أبو الفداء إسماعيل والشيخ أبو عبد الله أمغار ، وفي هذه الفترة بدأت مدينة تيط تفقد تدريجيا أهميتها الاقتصادية الإستراتيجية لتتحول أخيرا إلى قرية صغيرة وسط أطلال الرباط القديم ، وقد قيلت في رثاء تيط عدة قصائد من الملحون كما تجدر الإشارة إلى أن سيدي عبد الرحمان المجذوب من مواليدها .

يذكر العماري أن تيط كانت تعتبر إحدى كبريات مدن المغرب التي حصر عددها في 42 مدينة ، يعطينا رباط تيط مثالا فريدا في المغرب الأقصى عن مجموعة عمرانية لم تشيد بمبادرة من سلطان ، ورباط تيط أقوى دليل على القوة التي تمتعت بها عائلة الأمغاريين خلال القرن 12 م ، وهو أقدم وأحسن رباط بحري في بلاد المغرب من حيث المواد التي استعملت في بنائه وهندسة البنايات أما تسمية المدينة باسم تيط ، فان اللفظ في الأصل أما زيغي كما يذكر الباحثون ويقابله بالعربية ” العين ” واللفظ الأمازيغي عام الاستعمال ويجمع على ” تطاون ” أو ” تاطيون ” وهو الأصل أيضا في تسمية المدينة المغربية الشمالية الذي حرفه الاسبان إلى ” تطوان ” وتبعهم المغاربة في ذلك ، وقرب ميدلت توجد قرية صغيرة باسم ” تاطيونى ” كما توجد واحة بصحراء مصر الغربية تسمى ب ” تاط حرمد ” بمعنى ” العين الحمية ” مما يستدل به الباحثون على أن الحضارة المصرية استمرارا لحضارة أمازيغية وحسب النصوص التي اعتمدت عليها الموسوعة الإسلامية فان موقع المدينة كان يسمى بالبربرية ” تيطنفطر ” أي عين الفطر أو الإفطار .

ويحكى أنه لما قرر ملك البرتغال احتلال ثغر تيط الواقع قرب مازكان وآزمور تعرضت سفن أسطوله البحري للعنة ، ذلك أنها كانت تغوص في أعماق البحر كلما دنت من صومعة ضريح ( مولاي عبد الله ) ، ولأجل كشف سر هذه اللعنة التي كانت تحول دون احتلال البلاط البرتغالي للثغر دفع مستشارو الملك البرتغالي أحد جواسيسهم للتسلل وسط قبائل المنطقة والتظاهر بالإسلام والعيش وسطهم مثل أمغاري ، وتضيف الرواية الشعبية ( ليس ثمة ما يؤكد هذه الرواية تاريخيا )  أن هذا الجاسوس المتنكر أصبح من ” حفظان ” الضريح ، وهكذا اكتشف سر العناية الربانية التي جعلت راية البرتغال لا ترفرف على أسوار موقع موسم مولاي عبد الله حاليا ، حيث علم أن السر يكمن في تميمة مثبتة في قمة صومعة الضريح ، كانت تقي الثغر من كل هجوم صليبي ، ولذلك قام بنزع التميمة وإتلافها وفك رصدها مما أدى إلى زوال العناية وسقوط تيط في أيدي البرتغال .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!