دكالة 24: المكي الصباغ
استنادا على ما سبق يبدو أن هذا الموضوع يروم معالجة إشكالية محورية تتمثل في:
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي تحسين وضعية مختصي الاقتصاد و الإدارة في ظل النصوص التنظيمية الجديدة لا سيما على مستوى الآفاق والاختصاصات المسندة إليه داخل المنظومة التعليمية؟
للإجابة عن هذه الإشكالية ارتئينا معالجتها وفق الشكل التالي:
أولا: مختص الاقتصاد و الإدارة بين ضعف التصنيف و كثرة المهام
ثانيا: مختص الاقتصاد و الإدارة بين تطور و حدود المسار المهني
أولاـ مختص الاقتصاد و الإدارة بين ضعف التصنيف و كثرة المهام
أـ مختص الاقتصاد و الإدارة ضمن هيئة الإدارة التربوية و التدبير بين الإدراج و عدم الاقتناع
بتفحص مقتضيات النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية الجديد يلاحظ بشكل جلي أنه أتى بالعديد من المستجدات كانت من بينها تقسيم موظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية إلى العديد من الفئات، و لعل ذلك ما يمكن أن نستشفه من المادة 9 من المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، التي نجدها تنص على أنه “يتكون الموظفون من الهيئات التالية: –
ـ هيئة التربية والتعليم ؛
ـ هيئة الإدارة التربوية والتدبير ؛
ـ هيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقييم ؛
ـ هيئة متصرفي التربية الوطنية ؛
ـ هيئة الأساتذة الباحثين في التربية والتكوين”.
و باستقراء مضمون المادة 16 نجدها تنص على أنه تتألف هيئة الإدارة التربوية والتدبير من الأطر التالية :
ـ إطار متصرف تربوي ؛
ـ إطار مستشار في التخطيط التربوي ؛
ـ إطار ممون ؛
ـ إطار مختص الاقتصاد والإدارة ؛
ـ إطار مساعد تربوي.
و عليه، فتبعا لمضمون المادة 8 و 16 من المرسوم المشار إليه أعلاه يمكن القول أن المشرع أدرج فئة مختصي الاقتصاد و الإدارة ضمن هيئة الإدارة التربوية و التدبير. ويمكن تفسير هذا المستجد بالنظر إلى الدور الحيوي الذي يؤديه هذا الإطار داخل المؤسسات التعليمية، سواء تم تكليفه بتسيير المصالح المادية و المالية أو القيام بباقي المهام الموكولة له، و أيضا إلى تكوينه الرزين خاصة في الشؤون الإدارية و المادية و المالية و المحاسباتية، كلها عوامل جعلت من الوزارة الوصية ضرورة إدماجه في هذه الهيئة نظرا لقيمته المضافة داخلها .
و هنا يمكن القول أن المشرع فرق بين المختصين بحسب المهام المنوطة بهم بحيث قام بإدراج المختصين التربويين و الاجتماعيين ضمن هيئة التربية و التعليم و مختصي الاقتصاد و الإدارة ضمن هيئة الإدارة التربوية و التدبير، و ذلك بخلاف ما كان عليه في السابق بحيث كان يجمع بين هؤلاء الأطر ضمن هيئة الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي تطبيقا للمادة 65 من المرسوم[1] القديم بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية.
إذا، مختصي الاقتصاد و الإدارة يندرجون ضمن هيئة الإدارة التربوية و التدبير مما يمهد القول بأنهم سيمتثلون لنفس الالتزامات المهنية كساعات العمل و غيرها، و طبيعي أن يقابل ذلك نفس الحقوق المهنية لكن بتفحص مضامين النصوص التنظيمية نجد أن المشرع المغربي و كأنه غير مقتنع بدخول هذه الفئة ضمن هذه الهيئة و الدليل على ذلك استبعادها من الاستفادة من التعويضات عن الأعباء الإدارية طبقا للمادة الثالثة من المرسوم[2] المتعلق بسن تدابير متفرقة تتعلق بالتعويضات المخولة لموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية. و نفس الشيء بخصوص التعويضات عن التنقل و التعويضات عن التكاليف الإضافية وفق ما تنص عليه المذكرة الوزارية رقم 24/4917 الصادرة بتاريخ 24 دجنبر 2024 و التي تستثني مختصي الاقتصاد و الإدارة المزاولين لمهام التسيير المالي و المادي و المحاسباتي بمؤسسات إضافية.
بالإضافة إلى ذلك، و بالرجوع لمهام مختص الاقتصاد و الإدارة المنظمة بموجب المادة 22 من النظام الأساسي الجديد يتبين أن المشرع لم يوفق في التفرقة بين فئة المختصين و ظل هاجسه التربوي لصيق بهذه الفئة مما أثر على عملية إدراج فئة مختصي الاقتصاد و الإدارة ضمن هيئة الإدارة التربوية و التدبير، و خلف لبس على مستوى تصنيف هذا الإطار في هيئة التربية و التعليم ما دام سيقوم بمهام ذات طابع تربوي محض.
عموما، فإن إدراج فئة مختص الاقتصاد و الإدارة ضمن هيئة الإدارة التربوية و التدبير ظل محتشم جراء عدم استفادته من جميع الحقوق المخولة لأطر هيئة الإدارة التربوية.
ب ـ مهام مختص الاقتصاد و الإدارة بين الخلط و العمومية
أسندت لإطار مختصي الاقتصاد و الإدارة العديد من المهام تبعا للفقرة الرابعة من المادة 22 من النظام الأساسي الجديد بحيث تنص على :
ـ “المساهمة في التدبير الإداري والتربوي ؛
ـ التسيير المالي والمادي والمحاسباتي لمؤسسات التربية والتعليم والتكوين ؛
ـ المساهمة في الأعمال المرتبطة بتسيير مؤسسات التربية والتعليم والتكوين ؛
ـ المساهمة في تنظيم عملية الإعلام والتوجيه والأنشطة المرتبطة بها وإنجاز عملية الإحصاء”.
و عليه، يبدو أن المشرع كان أكثر جرأة في إبراز مهام مختص الاقتصاد و الإدارة على خلاف النظام الأساسي السابق و ذلك رغبة منه في توضيح مجالات تدخل هذا الإطار في المؤسسات التعليمية و الرفع من جودة خدماته، لكن على الرغم من ذك فإنه يمكن تسجيل العديد من الملاحظات بهذا الخصوص علما أنه سيصدر قرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية يفصل ويدقق في هذه المهام عملا بمضمون المادة 67 من المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي الجديد.
عموما، يمكن إجمالها في عدم تدقيق مجالات تدخل هذا الإطار بشكل واضح بحيث يلاحظ أن المشرع استعمل بعض الفقرات العامة و الفضفاضة كما هو الشأن لمهمة المساهمة في التدبير الإداري و التربوي بحيث يدخل في حكمها المساهمة في جميع المهام ذات الطابع الإداري و التربوي، الأمر الذي لا يتماشى و تدقيق مهام هذا الإطار. لدى نرى انه يتعين على المشرع المغربي الإسراع بإصدار قرار يدقق مختلف هذه المهام لتفادي أي تأويل مجانب، بالإضافة إلى حذف المهام ذات الطابع التربوي محض لأنها تدخل في صلب مهام المختصين التربويين و الاجتماعيين، فإذا أسندت هذه المهام لجميع هؤلاء الأطر فالمنطق يبرر بعدم الحاجة إلى التفريق بينهم هذا من جهة، و من جهة أخرى المهام التربوية لا تتماشى و تسمية الإطار “مختص الاقتصاد و الإدارة” التي يفهم منها من الوهلة الأولى المهام الإدارية و الاقتصادية المتعلقة بالتسيير المالي و المادي و المحاسباتي.
و في نفس المنوال، نسجل كثرة المهام و صعوبة القيام بها مما ينقص من جودة خدمات هذا الإطار و يؤثر على التدبير و السير العادي للمؤسسة، بحيث تم اثقال كاهل مختص الاقتصاد و الإدارة بمجموعة من المهام ، يصعب القيام بها في ذات الوقت بحيث إذا أخدنا مثلا مهمة التسيير المالي و المادي و المحاسباتي للمؤسسة و ما يتبعها من مسؤوليات جسام فهي مهمة لوحدها قد تستنزف جميع أوقات العمل لمختص الاقتصاد و الإدارة خصوصا إذا كانت المؤسسة تتضمن قسم داخلي، مما يتعذر معه القيام بباقي المهام الأخرى، و هذا لن يعفيه من القيام بها إذا لم يكن معين في هذه المهمة، وفق منطوق المادة 22 التي جعلت من مهمة التسيير المالي و المادي و المحاسباتي كمهمة رئيسية لمختص الاقتصاد و الإدارة إلى باقي المهام الأخرى، أي أنه في حالة تكليفه بتسيير المصالح المادية و المالية و عدم تعيينه في هذه المهمة يمكن للإدارة في إطار تفسير و تأويل هذه المادة إلى دفعه لممارسة باقي المهام الأخرى، و هنا يمكن القول أن التنظيم القانوني السابق لمهام مختص الاقتصاد و الإدارة أرحم من هذه المقتضيات، كان حريا بالمشرع إضافة الفقرة التالية إلى الفقرة الرابعة من المادة 22 من المرسوم الجديد« في حالة تكليف مختص الاقتصاد و الإدارة بإحدى هذه المهام يتم الاستغناء عن باقي المهام الأخرى».
و على صعيد متصل، يلاحظ تداخل في الاختصاصات بين هذا الإطار و إطار ممون بحيث أتبث الواقع العملي أن أغلب مختصي الاقتصاد و الإدارة تسند إليهم مهام تسيير المصالح المادية و المالية للمؤسسات التعلمية نظرا لشغور هذه المناصب أمام قلة الممونين على الصعيد الوطني، فأغلب الخريجين من هذا الإطار على مستوى المديريات الإقليمية يزاولون هذه المهام إما تعيينا أو تكليفا ، الأمر الذي ترتب عنه تشابك و تداخل في الاختصاصات بين هاذين الإطارين ، مما يطرح معه إشكالية توحيد اطار المكلفين بتسيير المصالح المادية و المالية، بحيث يلاحظ من خلال استقراء الفقرة الثالثة و الرابعة من المادة 22 من المرسوم الجديد و في سياق المقارنة بين مهام مختص الاقتصاد و الإدارة و الممون أن الإطار الأول تسند له مهمة تسيير المصالح المادية و المالية و المحاسباتية لمؤسسات التربية و التعليم و التكوين، في حين أن إطار الممون تسند له مهمة التدبير المالي و المادي و المحاسباتي لمؤسسات التربية و التعليم و التكوين و تدبير الداخليات و المطاعم المدرسية و تدبير التجهيزات و الممتلكات و تتبع تأهيل مؤسسات التربية و التعليم التكوين و إعداد التقارير في مجال التدبير و المالي و المادي، و لكن الواقع أتبث أن هاذين الإطارين يقومان بنفس المهام داخل المؤسسات التعلمية و يتحملان نفس المسؤولية فيما يخص التسيير المالي و المادي و المحاسابتي و تسيير الداخليات و المطاعم المدرسية باستثناء المكلفون منهم بمهام إدارية، و بالتالي فتوحيد هذين الإطارين تبعا للمهمة المسندة أصبحت ضرورة تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى، فمن غير المنطقي التمييز بينهما بالمصطلحات “التسيير”، ” التدبير”.
و في إطار تمييز المشرع بين هاذين الاطارين في مصطلح التسيير و التدبير فإنه يفهم من هذه المقتضيات النتائج التالية:
ـ أن الممون صاحب الاختصاص الأصيل ،
ـ أن قيام مختص الاقتصاد و الإدارة بمهام تسيير المصالح المادية و المالية يبقى في حدود التسيير و لا يشمل التدبير بحيث أن التدبير هو مصطلح أشمل و أعم من التسيير،
ـ أن الممون يدبر في مجال المصالح المادية و المالية بينما المختص يسير هذه المصالح دون أن يرقى إلى مستوى التدبير لأنها ليس من اختصاصاته الأصلية،
و يعزى ذلك إلى الكرونولوجية التاريخية لكل إطار على حدى بحيث أن اطار ممون خلق لأجل ممارسة هذه المهمة بينما ظهور إطار ملحق الاقتصاد و الإدارة ارتبط بإدماج فئات لها اختصاصات متعددة وضعت في طور الانقراض أنداك،
لكن الظاهر من نص المادة 22 من المرسوم الجديد أن المشرع جعل مهمة تدبير الداخليات و المطاعم المدرسية حصرا على الممون، مما يطرح معه تساؤل حول إمكانية تدبير الداخليات و المطاعم المدرسية من قبل مختص الاقتصاد و الإدارة؟
و في إطار الجواب عن هذا التساؤل، كان حريا بالمشرع أن يعطي هذه الصلاحية بشكل صريح للمختص بحيث أن ممارسة مهام المصالح المادية و المالية للمؤسسة ذات قسم داخلي أو مطعم مدرسي من طرف هذا الأخير لا يعفيه من تسييرها و تدبيرها استنادا على المادة 22 من المرسوم الجديد و ذلك بالنظر إلى وحدة المصالح المادية و المالية للمؤسسة و عدم إمكانية تعيين طرفين على رأسها داخل المؤسسة كتدبير الداخلية من قبل ممون و تسيير القسم الخارجي من قبل مختص الاقتصاد و الإدارة، بحيث يتنافى ذلك و المقتضيات القانونية و التنظيمية للمصالح المادية و المالية للمؤسسات التعليمية.
ثانيا: مختص الاقتصاد و الإدارة بين تطور و قصور المسار المهني
أـ تطور المسار المهني لإطار مختصي الاقتصاد و الإدارة
بالرجوع إلى مقتضيات المرسوم الجديد و إعمالا للمقارنة بينه و بين المرسوم السابق يلاحظا بشكل جلي أن المشرع المغربي قد جاء بالعديد من المستجدات فيما يخص فئة مختصي الاقتصاد و الإدارة سواء على مستوى الترقي في الرتب و الدرجة أو على مستوى فتح تولي مناصب أخرى في مساره المهني داخل المنظمة عموما يمكن إجمال هذا التطور في:
ـ تسريع وثيرة الترقي لفئة في الرتبة على غرار باقي موظفي الوزارة تبعا لمنطوق المادة 49 من المرسوم الجديد،
ـ فتح الترقي إلى الدرجة الممتازة طبقا للمادة 20 و المادة 50 من المرسوم الجديد ،
ـ إدماج مختصو الاقتصاد و الإدارة المرتبين في الدرجة الأولى على الأقل، المستوفين لشرط مزاولة مهام التسيير المادي والمالي والمحاسباتي بمؤسسات التربية والتعليم العمومي، لمدة لا تقل عن أربع (4) سنوات، في الدرجة المطابقة لدرجتهم الأصلية من إطار ممون، و في إطار متصرف التربية الوطنية بالنسبة للمرتبين منهم في الدرجة الأولى على الأقل، و المستوفين لشرط مزاولة مهام إدارية بالإدارة المركزية أو بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين أو بالمديريات الإقليمية التابعة لها أو بمراكز تكوين الأطر العليا التابعة للوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، من غير مؤسسات التربية والتعليم العمومي، لمدة لا تقل عن أربع (4) سنوات، في الدرجة المطابقة لدرجتهم الأصلية تبعا للمادة 77 من المرسوم الجديد،
ـ فتح سلك تكوين الممونين إثر انتقاء أولي و عبر مبارة يشارك فيها مختصو الاقتصاد و الإدارة المرسمون المرتبون على الأقل في الدرجة الثانية من إطارهم و الذين قضوا ست سنوات على الأقل من الخدمة الفعلية بهذه الصفة و المزاولين لمهام التسيير المالي و المادي و المحاسباتي بصفة فعلية لمدة لا تقل عن أربع سنوات، و يخضع بعد النجاح في المبارة إلى التكوين التي تستغرق سنيتن طبقا للمادة 32 من المرسوم المتعلق بإحداث و تنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين[3]،
ـ فتح مسلك مفتشي الشؤون المالية في وجه مختصي الاقتصاد و الإدارة خريجي سلك تكوين الممونين بعد قضاء أربع سنوات من الخدمة الفعلية بهذه الصفة، و أيضا مختصي الاقتصاد و الإدارة التي سيتم إدماجهم في إطار ممون بعد قضاء عشر سنوات بهذه الصفة أو الذي تم إدماجهم في إطار متصرف التربية الوطنية و الذي قضوا عشر سنوات من الخدمة بهذه الصفة و المزاولين لمهام التسيير المالي و المادي لمدة لا تقل عن أربع سنوات وفق نص المادة 24 من المرسوم[4] المتعلق بإعادة تنظيم مركز تكوين مفتشي التعليم،
ـ فتح مسلك تكوين المستشارين في التوجيه و التخطيط التربوي لمختصي الاقتصاد و الإدارة المرسمون و المرتبون في الدرجة الثانية الذين قضوا ست سنوات من الخدمة الفعلية بعد النجاح في مبارة التي تفتح في وجوههم طبقا للمادة 18 من المرسوم المتعلق بإعادة تنظيم مركز التوجيه و التخطيط التربوي[5]،
ـ فتح مسلك المتصرفين التربويين في وجه المختصون المرتبون في الدرجة الأولى و بعد أقدمية عشرة سنوات بعد مبارة تفتح لهذا الخصوص تطبيقا لنص المادة 31 من المرسوم المتعلق بإحداث و تنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين.
ب ـ حدود تطور مسار إطار مختصي الاقتصاد و الإدارة
عمل المشرع على فتح آفاق عديدة لفئة مختصي الاقتصاد و الإدارة، فكما مر معنا أصبح بإمكانهم الولوج للعديد من المسالك رغبة من وزارة التربية الوطنية في تجاوز العقبات التي عرفها هذا الإطار و الذي ولد ميتا محدود الآفاق و المسار، و لعل المتمعن في ما تم ذكره أعلاه و في سياق مقارنته بما كان مقرر سابقا سيجد أن هناك تطور فعلي.
و بنظرة الباحث و الممارس يمكن القول أن المشرع في إطار فتح آفاق لهذه الفئة لم يرقى إلى ذلك التصور المحمود، بل وقع في ارتباك و تخبط ، تارة إحلال هذا الإطار محل إطار آخر على مستوى مهامه، تارة فرض شروط مجحفة و تارة جعل مساره يتطور ببطء.
في إطار تحليلنا للمادة 77 نجد أن المشرع أدرج مختصي الاقتصاد و الإدارة الفئة القديمة في إطار ممون بناء على طلبهم، لكن ربط هذا الادماج بأقدمية عشر سنوات في الإطار الجديد حتى يتسنى لهذه الفئة الولوج لمسلك مفتشي الشؤون المالية، علما أن هذه الفئة مارست نفس مهام إطار ممون لسنوات عديدة و لها من الخبرة المهنية في مجال التسيير المادي و المالي ما يكفي للإدماج مباشرة في مسلك مفتشي الشؤون المالية و المادية أو عن عبر تكوين خاص لهذه الغاية كما فعل المشرع على غرار الممونين.
و الظاهر أن هذا التخبط لم تسلم منه فئة مختصي الاقتصاد و الإدارة المعينة حديثا، بحيث اشترط المشرع لولوج سلك مفتشي الشؤون المالية النجاح في المبارة تفتح في وجه الممونين خريجي مركز التكوين سلك الممونين مع ضرورة التوفر على أقدمية أربع سنوات بهذه الصفة . علما أن الولوج إلى إطار ممون بذاته يقتضي التوفر على أقدمية ست سنوات في الإطار و أربع سنوات في مزاولة مهام التسيير المالي و المادي و المحاسباتي بعد النجاح في مبارة و الخضوع إلى التكوين مدته سنيتن ليصبح ملزم على مختص الاقتصاد و الإدارة المزاول لمهام التسيير المادي و المالي بالمؤسسات التعليمية قضاء اثنى عشر سنى كحد أدنى للمشاركة في مبارة ولوج مسلك مفتشي الشؤون المالية.
و السؤال المطروح بهذا الخصوص ما هي شروط و امتيازات إطار ممون و مهامه التي لا يمارسها مختصي الاقتصاد و الإدارة المزاول لمهام التسيير المادي و المالي حتى يلزمه قضاء هذه المدة بأكملها كي يستطيع سلك سبيل التفتيش في مسار المهني؟
على مستوى الشروط، فالولوج إلى إطار ممون سابقا يقتضي النجاح في مبارة للمتوفرين على شهادة الإجازة في الحقوق أو العلوم الاقتصادية و تتم ممارسة مهام التسيير المادي و المالي مباشرة دون الخضوع للتكوين، بالنسبة لإطار مختص الاقتصاد و الإدارة المزاولين لمهام التسيير المالي و المادي يقتضي هو الآخر يقتضي النجاح في مبارة للمتوفرين على شهادة الإجازة في العلوم القانونية أو الاقتصادية، غير أن الفرق الجوهري أن هذا الإطار يخضع للتكوين الذي يتضمن تكوين نضري يشمل مجزوءات عديدة تهم التسيير المادي و المالي و المحاسباتي للمؤسسات التعليمية و أخرى تهم المالية و المحاسبة العمومية ، فضلا عن مجزوءات ذات طابع تربوي و إداري، و تكوين تطبيقي يتعلق بالممارسة الميدانية في المؤسسات التعليمية تم يتخرج في آخر السنة بعد استيفائه لجميع شروط النجاح المنصوص عليها ضمن القرار المنظم للتكوين في هذا المسلك.
على مستوى المهام فإن تسيير المصالح المادية و المالية للمؤسسات التعليمية يزاولها مسؤول واحد يمكن أن يكون ممون أو مختص الاقتصاد و الإدارة سواء كانت المؤسسة تتوفر على قسم خارجي أو داخلي أو مطعم تطبيقا لوحدة المصالح المادية و المالية للمؤسسات التعليمية، و بالتالي فإن مهام التسيير المالي و المادي التي يزاولها الممون هي نفسها التي يمارسها مختص الاقتصاد و الإدارة و يتحملان في هذا الباب نفس المسؤولية لا فرق بينها.
على مستوى الامتيازات، بتفحص النصوص التنظيمية ذات الصلة يلاحظ أنه ليس لإطار ممون أي امتيازات يجعل من الولوج له آفاق واعدة بالنسبة لمختص الاقتصاد و الإدارة اللهم بعض الزيادات الطفيفة في التعويضات التكميلية.
و عليه، نستنتج أن هؤلاء الأطرـ أي الممونون و مختصي الاقتصاد و الإدارة مسيري المصالح المادية و المالية ـ متساوون في الشروط و الالتزامات و المهام و لا فرق بينهم على الإطلاق، الأمر الذي لا مبرر له من طرف المشرع في التفريق بينهم على مستوى الحقوق و جعل من إطار ممون سلك يلزم الولوج إليه النجاح في المبارة و الخضوع للتكوين، ما دام أن مختصي الاقتصاد و الإدارة مر من مرحلة التكوين قبل ممارسته المهام بخلاف إطار ممون .
و على صعيد متصل، يمكن القول أن مختص الاقتصاد و الإدارة بهذه الشروط السابقة الذكر له كامل الأهلية في التباري على مباريات سلك مفتشي الشؤون المالية بنفس الشروط المفروضة على إطار ممون ما داموا يمارسون نفس المهام ويخضعون لنفس الشروط و الالتزامات و المسؤوليات.
خاتمة:
ارتباطا بالموضوع أعلاه و في إطار تحليلنا للمستجدات التنظيمية التي جاء بها مشرع وزارة التربية الوطنية على مستوى فئة مختصي الاقتصاد و الإدارة يتبين بشكل جلي أنه حاول جاهدا تحسين وضع هذه الفئة، إلا أنه على الرغم من ذلك ظل قاصرا في رسم مسار صحيح لها، و لتحقيق هذه الغاية لا بد من الاخذ بعين الاعتبار الاقتراحات التالية:
ـ تمكين مختصي الاقتصاد و الإدارة من نفس حقوق باقي هيئة الإدارة التربوية،
ـ حذف المهام التي لا تنسجم مع خصوصية إطار مختصي الاقتصاد و الإدارة،
ـ تمكين مختصي الاقتصاد و الإدارة الممارسين للتسيير المادي و المالي من الولوج لمسار التفتيش وفق نفس الشروط السابقة المتعلقة بإطار ممون.
[1] ـ مرسوم رقم 854-02-2 صادر في 8 ذي الحجة 1423 ( 10 فبراير 2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، الجريدة الرسمية عدد 5082.
[2] ـ مرسوم رقم 2.24.141 صادر في 13 من شعبان 1445 (23 فبراير 2024( بسن تدابير متفرقة تتعلق بالتعويضات المخولة لموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، منشور في الجريدة الرسمية عدد 7277.
[3] ـ المرسوم رقم 397/24/2 صادر في 19 من ذي الحجة 1445 الموافق ل26 يونيو 2024 المغير و المتمم لمرسوم رقم 672/11/2 الصادر في 23 ديسمبر 2011 في شأن إحداث و تنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين، الجريدة الرسمية عدد 7316 ، 11 يوليو 2024، الصفحة4436 .
[4] ـ المرسوم رقم 396/24/2، صادر بتاريخ 12 يونيو 2024 المغير و المتمم للمرسوم رقم 521/08/2، الصادر في 18 ديسمبر 2008 في شأن إعادة تكوين مفتشي التعليم، الجريدة الرسيمة رقم 7316 ، بتاريخ 11 يوليو 2024، الصفحة 4433.
[5] ـ المرسوم رقم 395/24/2، صادر بتاريخ 12 يونيو 2024 المتعلق بإعادة تنظيم مركز التوجيه و التخطيط التربوي، الجريدة الرسمية عدد 7316، بتاريخ 11 يوليو 2024، الصفحة 4427.
المكي الصباغ المنسق الاقليمي للسكرتارية الإقليمية لمختصي الاقتصاد و الإدارة للنقابة الوطنية للتعليمfdt بسيدي بنور
المصدر : http://www.doukkala24.com/?p=25363