لا بديل عن المشاركة و الفعل السياسي

Ahmed Massili
أقلام حرة
7 فبراير 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
لا بديل عن المشاركة و الفعل السياسي

دكالة : يونس التايب

قضايا السياسة و أخبار تدبير الشأن العام، تكاد لا تنتهي. أينما وليت وجهك تصادف موضوعا، خبرا أو مشكلة، يدفعك إلى أن تفكر فيه و تتفاعل معه و تحاول مقاربته بشكل من الأشكال. و حتى إن بدى أن الموضوع بعيد عن “المجال السياسي”، ستجد نفسك ملزما باستحضار ما يمكن “للسياسة و للفعل السياسي” أن يقدماه لتسهيل التعاطي معه في أفق تشخيصه و البحث عن حلول له و تجاوز تداعياته. و رغم أن هذا المجهود متعب و غير سهل، إلا أنه لا مجال لأي سلوك آخر غير الاهتمام و التفاعل و المتابعة و إبداء الرأي، والمشاركة الإيجابية في صنع تضاريس الحاضر و المستقبل. و لأن هذه الأرض لنا، و هذا الوطن لنا، لا مجال لترك ساحة الاهتمام بتدبير الشأن العام، وتتبع السياسات العمومية، والخوض في قضايا المجتمع، تستفرد بها “الكائنات المصلحية”، و “بائعو الوهم للناس”، و”أشباه المثقفين”، و”المسفهون”، و”العدميون”، و”المتخصصون في عرقلة مجهودات الإصلاح”، و”تقنيو الابتزاز”. على العكس من ذلك، إن المطلوب هو انخراط الناس. لذلك، علينا أن نشجع المواطنين ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ليصبحوا مهتمين ومشاركين و متابعين لديناميكية تطور بلدنا، ومناضلين من أجل بناء غد مشرق لنا جميعا. لا مجال لأي سلوك غير ذلك إذا كنا نريد للواقع أن يتطور إلى الأفضل. شخصيا، أناصر، عن اقتناع شديد، ضرورة توسيع دائرة المواطنين المشاركين في العملية السياسية و الانتخابية والمتابعين للشأن العام. و أعتبر أن ذلك هو الحل الاستراتيجي الأكثر نجاعة لتعزيز الارتباط بتوابث الأمة المغربية، و تقوية البناء الديمقراطي و الحقوقي، و خلق نقاشات مجتمعية هادفة، وبلورة حلول لتجاوز ما نحن عليه من عجز اجتماعي وإكراهات اقتصادية، و الحد مما نعاني منه من مشاكل مرتبطة بوجود بعض “النخب” التي تسير مرافق عامة برداءة بالغة، و تقليدانية غارقة في الركاكة و متجاوزة من معطيات الواقع، في مجالات جغرافية و قطاعات عديدة. رداءة تنعكس على ما يتم إنتاجه من سياسات عمومية لا ترقى للانتظارات، و لا تتماشى مع الأوراش الاستراتيجية التي تستحق كفاءات تدبيرية حقيقية، و هندسة جديدة للفعل العمومي. لقد أصبح جليا أكثر من أي وقت مضى، بأن الخطاب السياسي الحزبي لا يستجيب إلا نسبيا لما يبتغيه المواطنون، و لا يحفز فيهم الأمل، و لا يقنعهم بإمكانية إحداث تغييرات حقيقية في واقعهم. بل إن بعض الممارسات الحزبية تبعد المواطنين عن الشأن العام أكثر من سعيها لتأطيرهم و تكوينهم و دفعهم للمشاركة. وليس غريبا أننا وصلنا مرحلة أصبح فيها فاعلون حزبيون أنفسهم يعترفون بما يجدونه من صعوبات في تعبئة المواطنين، وخاصة الشباب، و التصالح معهم و زرع الثقة فيهم و في حاضرهم، و في المستقبل. نفس “النخب” تعترف أنها عجزت عن مواجهة الفساد و سوء التدبير، إن لم نقل أن بعضا من نفس تلك “النخب”، صارت جزءا مسؤولا عن تكريس الممارسات المنافية للحكامة الجيدة. ولست آتي بجديد إذا أضفت أن بعض “النخب” السياسية الحزبية أصبحت لا تستطيع إبداع حلول عميقة لقضايا الفقر وتهميش الشباب، و توسيع قاعدة الحماية الاجتماعية للمهمشين و الضعفاء و المعوزين، والقضاء على البيروقراطية و عصرنة تدبير الإدارات، و الحد من عرقلة المبادرة الحرة والاستثمار، بسبب غياب ديمقراطية داخلية تتيح للكفاءات أن تنتج من داخل النسق التنظيمي للأحزاب، أفكارا جديدة ومشاريع مختلفة عن الموجود والمألوف. لذلك، تقوقع البعض و غرقوا في تكرار نفس الخطابات و التصورات و التصريحات الصحفية التي يتم تحيين مظهرها كل مرة بصيغة من الصيغ. هذا الواقع الموضوعي جعل عاهل البلاد يدعو، في عدة مناسبات، الحكومة إلى جعل سياساتها أكثر قربا من انتظارات المواطنين، و يطلب منها الإنصات لنبض الشارع، و الاهتمام بما يريده المغاربة، عوض الغرق في الممارسات السياسوية والشعبوية، و تهميش الكفاءات القادرة على مواكبة دينامية تحديث مؤسسات الدولة. وقد رأينا كيف أن ورشين مهمين لم يكن ممكنا أن يتحركا لولا أن الملك تدخل بشكل مباشر و وجه المعنيين و تتبع مدى التزامهم بتسريع الديناميكية، بعد ما ظهر من تخبط الفاعل الحكومي لعدة أشهر دون تقدم يذكر، و أقصد هنا ورش إعداد تصور النموذج التنموي الجديد، و ورش دعم مشاريع و مقاولات الشباب. و لا حاجة للتذكير بملفات أخرى كمدن المهن والكفاءات، و إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أشرف عليهما جلالة الملك، كي نتفادى تعطيل المصالح الاستراتيجية للوطن والتأثير على قدرة الدولة النهوض بمهامها على الوجه الأكمل لفائدة مواطنيها و دعما للاقتصاد الوطني و القطاعات الإنتاجية و الاجتماعية. في بعض الأحيان أحاول أن أقنع نفسي بأن “السياسة” لا يجب أن تكون كل شيء، و لا أن تنال كل التفكير و الطاقة الموجهة إلى تطوير علاقتنا بها و ممارستنا لها. ولكنني أفشل في تقبل هذا الرأي أو الاستقرار عليه، و أجد نفسي كل مرة غارقا في تفكير ملي يبحث عن سبل التجديد الممكنة، وأشكال التواصل التي نحتاجها لرفع التحديات والاستمرار على درب زراعة اليقين بين الناس بأن المشاركة في الحياة العامة هي الحل، ليبقى الأمل قائما و يعود النور ليعم طريقنا نحو تحقيق طموحات يستحقها الشعب. و من هذا المنطلق، رأيي و دعوتي هي أن نستمر في توسيع دائرة التواصل مع الشباب، و مع كل من يتقاسمون معنا القناعة بأن المشاركة في الحياة العامة و الاهتمام بها، واجب على من يريد أن تنصلح الأمور. كما يجب أن نبلور مبادرات مبتكرة لنكون ضمن دينامية الإقلاع الشامل التي ستعرفها بلادنا خلال المرحلة المقبلة، على كافة الأصعدة. ومسؤولية الشباب و أطر المغرب و مثقفيه التواقين للأفضل، تقتضي أن يثقوا أن الأمر جدي و أنه لا مناص من تحقيق معادلة الكفاءة والاستحقاق، و ربط المسؤولية بالمحاسبة باعتبارها اختيارا رسميا سياديا لا عودة عنه، و باعتبارها أيضا ضرورة استراتيجية لتعزيز تنافسية الاقتصاد وجاذبية بلادنا للاستثمارات الأجنبية، ودعم سياسات الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للشباب، و تحقيق عدالة مجالية تمنح كل الجهات نصيبها من شروط الإقلاع الشامل، لنحفظ أمننا الاستراتيجي و هويتنا و مكتسباتنا الوطنية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!