دكالة 24:رشيد العمري
إلى عهد قريب كانت رائحة “الشفنج” تطارد عشاقه في مختلف الأزقة وخاصة بالأحياء الشعبية، بحيث كلما توجهت نحو محل “الشفناج” إلا وتجد طوابير من الشغوفين بنهمه تتصاعد أصواتهم هنا وهناك من أجل الظفر بحصتهم المعتادة.
وفي ظل التحديات التي فرضها العصر وأفضت إلى ظهور بدائل غذائية جديدة، وجد منتوج “الشفنج” نفسه محاصرا بين خيار العصرنة أو الدخول في متاهة النسيان، في وقت يحرص فيه عدد قليل من محترفي هذه المهنة وبإصرار على مواصلة نشاطهم ومجابهة الواقع الجديد إرضاء لزبنائهم المتعطشين لتناول هذه الأكلة التقليدية.
عراقة هذه المهنة المتوارثة عبر الأجيال جعلت من “الشفنج” لدى البعض أكلة مفضلة لا يمكن التغاضي عنها صباح مساء، وخاصة في الأسواق الأسبوعية حيث يلتئم التجار والمتبضعون حول هذه الوجبة التي غالبا ما يصاحبها فنجان من القهوة أو الشاي.
وإن كان القاسم المشترك هو العجين المعد سلفا من دقيق وزيت وماء وملح وخميرة تبقى طريقة إعداد هذه الأكلة الشعبية هي التي تميز هذا الشفناج عن ذاك، فمنهم من يرافق عمله بقص نكتة أو سرد دعابة والبسمة تعانق محياه، فيما يأخذك آخر للإبحار بحكاياته إلى عوالم تجمع بين الحقيقة والخيال.
وإذا كانت “الشباكية” خلال شهر رمضان تفرض نفسها بإلحاح، فالشفنج ظل متربعا لسنوات على رأس قائمة الوجبات الصباحية قبل مزاحمته في الآونة الأخيرة بمجموعة من الفطائر من صلبه من قبيل “الحرشة” و”المسمن” وغيرها من المأكولات كـ “خرينكو” و”البينيي المدهون بالسكر أو العسل”.
وفي ما يخص عملية التحضير، يؤكد المهنيون، أن لكل مهنة أسرارها، فالبداية تكون بمجانسة الدقيق بالكمية الكافية من الماء حيث تضاف للخليط حفنات من الدقيق بشكل تدريجي إلى أن يصبح العجين جاهزا، حينها يترك لمدة وجيزة قبل إضافة الخميرة والملح، وبعدها يدهن الإناء بالزيت حتى لا تلتصق بقاياه، وبذلك تبقى الفقاعات هي العلامة المثلى عن جاهزيته ليسلك طريقه نحو المقلاة.
وفي لحظة بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، لم يخف الشفناج، أشنافة عبد الخارق، المعروف بـ “با عبد الخالق” لدى ساكنة درب الفقراء بعمالة مرس السلطان الفداء، حسرته الكبيرة على هذه المهنة التي ظل يمارسها منذ 1968 كـ “متعلم” قبل اقتحامه عالم الاحتراف بشكل رسمي سنة 1973، متطلعا إلى عودة “الأمجاد” كما حرص على تسميتها، حيث كان يركن خلف مقلاته لساعات لإعداد ما بين 50 إلى 60 كلغ من عجين السفنج، إلى ان تراجعت الكمية في الآونة الأخيرة الى 10 كيلوغرامات في أحسن الأحوال.
وأشار “با عبد الخالق”، المزداد في 1952 بآسفي، إلى أن تعلقه بهذه المهنة، بالرغم من ضعف الإمكانيات وقلة الحيلة والجهد، هو الذي دفع به إلى نصب مقلاته أمام مقر سكناه بـ “رأس الدرب” لفترة دامت 16 سنة، عقب فقدان محل مزاولة نشاطه اليومي لعدم قدرته على سداد واجب الإيجار.
ومع ذلك، يرى “با عبد الخالق” أنه لا بديل له عن هذه المهنة التي ظل يعيل بها أفرد أسرته، المكونة حاليا من سبعة أفراد، حيث يبقى همه الأساسي في كيفية الحفاظ على هذا الموروث المهدد بالاندثار والانقراض، مبرزا ان عدد الشفناجة تقلص على مستوى حي درب الفقراء، الذي يعمل فيه لسنوات، من 14 إلى 4 ممارسين فقط رصيدهم الوحيد العفاف والقناعة.
أما “الشفناج” مصطفى أسوس (36 سنة)، المتواجد حاليا بمنطقة المنصورية التابعة لإقليم بنسليمان، فإحساسه بالحسرة لا يقل عن سابقه، حيث يرى أن الإقبال على هذا المنتوج تراجع بشكل ملفت للنظر، مشيرا إلى أن حجم إنتاج عجين الشفنج كان فيما مضى لا يقل عن 100 كلغ صباحا و75 كلغ مساء.
وعزا أسوس هذا التراجع لعدة عوامل منها ارتفاع التكلفة وظهور العديد من المنتجات المنافسة من “هلاليات” وفطائر وحلويات وغيرها، وبحكم تجربته في الميدان لمدة 24 سنة بعدد من مدن وأقاليم المملكة، يرى أن الإقبال يكون متزايدا خاصة في الأسواق القروية الأسبوعية والموسمية.
وفي ما يخص الأسعار، تبقى برأيه رهينة الزمان والمكان بحيث تتراوح ما بين 18 إلى 24 درهم للكيلوغرام الواحد، هذا بالنسبة للشفنج في طبيعته وحجمه العادي، أما بالنسبة للشفنجة المطفية (المقرمشة) أو المحشوة بالبيض أو الكبيرة الحجم فسعرها يختلف، مذكر بما يسمى بـ “العباسية” التي كان يفتتح بها الشفناج عمله في الفترة الصباحية أو عند نهاية اليوم حيث يعرض مجموعة من الوحدات بالمجان طمعا في زيادة “البركة”.
ويذكر أن ما يصطلح عليه بـ “الشفنج” في العامية المغربية يراد به وفقا لمعاجم اللغة العربية الإسفنج حيث يشبهه في تركيبته وشكله وثقوبه ورخاوة ملمسه وامتصاصه، بحكم تشر به لمادة الزيت…
(المصدر: “ومع”)
المصدر : http://www.doukkala24.com/?p=13673