في رحاب تاريخ بلاد دكالة الحلقة الثامنة

doukkala24
تقافة و فنون
21 أبريل 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
في رحاب تاريخ بلاد دكالة الحلقة الثامنة

دكالة 24:

استطاع البرتغال في شبه رد فعل له عن الفتوحات الإسلامية ، أن يقوم بحملات مستمرة قصد احتلال بعض شواطئ المغرب ومدنه الساحلية ومن أبرزها منطقة دكالة ، مستغلا في ذلك الأوضاع المنهارة التي كان يجتازها المغرب آنذاك ، غير أن صلابة وقوة أبناء المنطقة وشجاعة قبائلها وأعلامها من رجال التصوف والتربية الروحية … ودور الزوايا في التحريض على مواجهة المستعمر اضطر البرتغاليون إلى مغادرة المنطقة.

خلال هذه السلسلة سنفتح نافذة على أهم المراحل التي مرت بها منطقة دكالة وخاصة إبان الاحتلال البرتغالي وكيفية التصدي له من طرف القبائل والمدن والقرى  وأعلام  المنطقة … حتى إجلائه عنها مستعينين في ذلك بالعديد من المراجع والمصادر.

                             ——- إعداد: أحمد مسيلي——– الحلقة 8

يذكر  أحمد بن خالد الناصري في كتابه الاستقصا أنه كانت بآزمور امرأة حسناء خطبها رجل من أهل البلد سماه لويز إلا أنه لم يحسن النطق به لعجمته وأظنه اسمه الميلودي ، لان الحرف التي ذكر تقرب منه ، فامتنعت عليه فراودها أياما واشتد كلفه بها فلم تزدد عليه إلا تمنعا فبعث إليها ذات يوم يرغبها في نفسه ، ويدلي عليها بمآثره التي من جملتها الشجاعة حتى قال لها : ” وان شئت أن آتيك برأس أعظم نصراني بالجديدة وأشجعه فعلت ” ولعلها كانت موتورة لهم فقالت له : ” إن أتيتني به تزوجتك  ” فذهب الرجل المذكور إلى قائد آزمور ولم يسمه لويز وعرض عليه أن يكتب إلى كبير نصارى الجديدة وصاحب رأيهم بأن يعين من جانبه رجلا من شجعانهم ليبارزه إن شاء الله ، فأجابه القائد إلى مراده ، وذهب الرسول بالكتاب حتى وقف على نحو غلوة من المدينة ، وهذا الموضع هو الذي كانت تقف فيه رسل آزمور إذا قدمت لغرض ، فخرج إليه البريد من عند صاحب الجديدة ، وحاز الكتاب ورجع به إلى صاحبه ، فلما قرأه أحضر جماعة من وجوه جنده وعرض عليهم ما فيه فقام رجل منهم وقال ” أنا صاحبه ” …

قامت زاوية سيدي إسماعيل بدكالة حسب المؤرخ البرتغالي لويز بحصار البرتغاليين في الجديدة عام 1049 هجرية / 1639 م ونقل أسراهم إلى سلا وقد وصف المعركة عبد الرحمان الغنامي المعروف ب ” رحو ”

ومن الأهمية بمكان اتباث بعض الحقائق المتعلقة بتعاون بعض الفئات الاجتماعية في دكالة مع الاستعمار البرتغالي لتوطيد قواعده بالمنطقة , فمن خلال البحث الذي نشره الأستاذ ” بو شارب أحمد ” في مجلة كلية الآداب الصادرة بفاس ( العدد 1 – 1978) يتبين أن هذه الفئات المتعاملة تنقسم إلى : التجار وأعيان المدن , واليهود , وشيوخ القبائل  , فكيف كان تعاملهم مع البرتغاليين ادن ؟

أ – التجار وأعيان المدن :

عندما بدأ التبادل التجاري بين آ زمور والأندلس إلى حدود القرن 6 الهجري ( 12م ) تكونت في المدينة طبقة تجارية تعمل على ترويج منتوجات دكالة من جلود وقمح وشابل وقد جمعت هذه الطبقة من التجار ثروات كبيرة أدت بأصحابها إلى الانغماس في الملذات , والعيش على الطريقة البرتغالية بعد أن كان سكان آزمور قد اعترفوا بسلطة البرتغاليين سنة 1486 م . وهذه الرفاهية التي عاشتها هذه الفئات المغربية جعلتها تتمسك بالوجود البرتغالي بل وتغير على المصالح البرتغالية كثيرا , وقد صادف وصول البرتغاليين والاسبانيين إلى السواحل المغربية ضعف السلطة المركزية المغربية المرينية والوطاسية فيما بعد , مما أدى إلى استقلال عدد من المدن , وتنافس أعيانها على السلطة في حين استفاد البرتغاليون كثيرا من هذه الوضعية فأصبحوا يعطون السلطة لمن يدافع عن مصالحهم بحرارة .

ويذكر الحسن الوزان أن آسفي كانت مقرا لأسرة تجارية اسمها بني فرحون ، لعب البرتغاليون بأفرادها كثيرا فساندوا من والاهم ودبروا اغتيال من عاداهم ، ومهما يكن فان هؤلاء المتعاملين لم يكونوا صادقين في ولائهم للبرتغال إلا بمقدار ما يمكنهم الوجود البرتغالي من استقرار سياسي يضمن الرواج التجاري . ورغم ذلك فقد انقسم السكان إلى ما أسماه حسن الوزان بالأحزاب المؤيدين للبرتغال ، والمؤيدين للاسبان المسلحة و المناهضين لهما …ومحرك الجماعة الأخيرة هم الفقهاء ورجال الزوايا، ونتيجة لهذا الصراع ضعفت السلطة وكثرت العصابات المسلحة. ونفس النهج اتبعه البرتغاليون في آزمور , لهذا يمكن القول أن مطامح وأطماع الأعيان والتجار حد كثيرا من ازدهار مدينتي آسفي وآزمور وحولتهما إلى ثكنات عسكرية .

كان اليهود بمنطقة دكالة آنذاك ينقسمون إلى طبقتين ، الطبقة الارستقراطية وهي التي تسعى للحفاظ على مصالحها ، وبهذا الهدف تعاملت مع البرتغاليين وطبقة فقيرة تشتغل في الحرف ، ولم يسجل الحسن الوزان أي تعسف ضد اليهود من طرف السلطات المغربية أو المسلمين عامة ، لدلك فان الرأي القائل بأن اليهود المضطهدين سهلوا دخول البرتغاليين غير مقبول وقد عانى اليهود كثيرا من الاضطهاد في اسبانيا والبرتغال فاضطروا إلى النزوح نحو الحواضر المغربية ومنها موانئ دكالة في نهاية القرن 15 م . وكان لهؤلاء النازحون من شبه الجزيرة الايبيرية رصيد ثقافي مهم مكنهم من السيطرة والتفوق على اليهود المحليين  ، لذلك فان الطبقات الدنيا من اليهود لم تكن لهم يد في التعاون مع البرتغاليين والطبقات العليا لم تتعامل مع الاستعمار لصالح عامة اليهود بل لتحقيق مصالحها فقط . وقد فطن البرتغاليون إلى أن أعيان اليهود يعملون لمصالحهم الخاصة ويتعاملون مع الأقوى ، لذلك نجدهم يرحلونهم عن آسفي عندما زحف عليها جيش السلطان الأعرج السعدي سنة 1541 م خوفا من أن يسهلوا دخول المسلمين السعديين ومن بين الأسر المتعاملة مع البرتغال أسرة ” زميرو” في آسفي التي كان أكبر أفرادها طبيبا قبل أن يصبح حاخاما اكبر بعد احتلال المدينة، ثم عاملا للاستعمار وتاجرا كبيرا وقام أخواه بأدوار مماثلة  ، وكانت أسرة ” الديب ” بآزمور بدورها برتغالية ولعبت كذلك دورا مهما لصالح التوسع البرتغالي . وبحكم الأصل ومعرفتهم اللغة البرتغالية فقد ضمن هؤلاء لأنفسهم دور الوساطة التجارية والسياسية وبسبب مواقفهم وتعاملهم لصالح البرتغاليين فقد تعرض اليهود عامة لعداوة المسلمين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!