في رحاب تاريخ بلاد دكالة الحلقة السادسة عشر

doukkala24
تقافة و فنون
29 أبريل 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
في رحاب تاريخ بلاد دكالة الحلقة السادسة عشر

دكالة 24:

استطاع البرتغال في شبه رد فعل له عن الفتوحات الإسلامية ، أن يقوم بحملات مستمرة قصد احتلال بعض شواطئ المغرب ومدنه الساحلية ومن أبرزها منطقة دكالة ، مستغلا في ذلك الأوضاع المنهارة التي كان يجتازها المغرب آنذاك ، غير أن صلابة وقوة أبناء المنطقة وشجاعة قبائلها وأعلامها من رجال التصوف والتربية الروحية … ودور الزوايا في التحريض على مواجهة المستعمر اضطر البرتغاليون إلى مغادرة المنطقة.

خلال هذه السلسلة سنفتح نافذة على أهم المراحل التي مرت بها منطقة دكالة وخاصة إبان الاحتلال البرتغالي وكيفية التصدي له من طرف القبائل والمدن والقرى  وأعلام  المنطقة … حتى إجلائه عنها مستعينين في ذلك بالعديد من المراجع والمصادر.

—- إعداد: أحمد مسيلي —– الحلقة 16

وعن مدينة مائة بئر يذكر ” دوتي ” في كتابه عن مراكش ( ص 188 – 189 ) أن هذه المدينة هي مدينة ” سيرنو” الموجودة إلى الشمال الشرقي من آسفي ، وقد كانت مقرا ليحيى بن تاغفوفت وهبها له ولأولاده ملك البرتغال امانويل الأول برسالة مؤرخة في 25 غشت 1514 م ويقول عنها  الحسن الوزان في وصف لها ، ” هي قرية صغيرة على ربوة كلسية ، في خارجها عدة مطامير تعود السكان أن يخزنوا فيها حبوبهم . ويقول سكان هذه البلاد بأن القمح يحفظ في هذه المطامير مائة سنة دون أن يفسد أو تتغير رائحته . ولكثرة هذه المطامير التي تشبه الأبيار سميت هذه المدينة مدينة مائة بير . والسكان فيها قليلون جدا ، لأنه لا يوجد فيها أي صانع باستثناء بعض الحدادين اليهود ، وفي الوقت الذي نقل ملك فاس سكان المدينة إلى الإقامة بأرضه أراد أن ينقل أيضا سكان مدينة مائة بير لكنهم رفضوا هذا الانتقال وفروا إلى آسفي حتى لا يتركوا أرضهم . ولما رأى الملك ذلك نهب مدينة مائة بير فلم يجد فيها غير الحبوب والعسل والأشياء الثقيلة التي لا قيمة لها . ”

تعد مدينة الغربية من بين أهم حواضر إقليم دكالة التي شهدت العديد من الوقائع التاريخية و توجد مدينة الغربية على بعد عشرين كلم من الوالدية تقريبا على سهل منبسط متسع الأرجاء ، وهي مدينة أثرية يوجد بها ثلاثة أبواب هي : باب مراكش شرقا ، باب آسفي جنوبا ، باب الوالدية غربا ، ويوجد على كل باب برج وعلى كل سور جانبي ثلاثة أبراج .

يرجع تأسيسها من طرف قبائل دكالة إلى ما قبل الإسلام بقليل أو في صدره ويصفها الحسن الوزان في كتابه وصف إفريقيا ” هي عاصمة دكالة والنواحي المجاورة وكانت هي المدينة الوحيدة في هذه الناحية، لباس أهلها الصوف ولهم شجاعة وإقدام وولوع بركوب الخيل وكسبها ” . قال مارمول في الجزء الثاني من تاريخه ” أنها بناها الأفارقة الأقدمون في بسيط من الأرض ، أفيح ، حسن المنظر ، ما بين آسفي وآزمور ولها سور وأبراج كانت في القديم ذات رفاهية وعمران ، وهي عاصمة تلك الناحية ، ولم يكن في مدن المغرب أخصب من ناحيتها ، وكانت تحت سلطة البرتغاليين توجه إليها أخو سلطان فاس فأبادها إلا أنها تجددت عمارتها بعد ذلك إلى أن كانت مجاعة 521 ه فخربت ”

يظهر أن المدينة قد عمرت مرة أخرى لكنها خربت سنة 667 ه في زمن أبي يوسف يعقوب المريني لكن حفيده أباعنان المريني أعاد بناءها ، وجاء في كتاب أوكتسام أكتروم عدد 561 من الفصل الثالث ” أن مولاي الناصر أبو علي بن محمد الشيخ الو طاسي ، الذي كان يدعى بصاحب مكناسة وتادلة وسلا توجه إلى دكالة في أبريل سنة 919 ه الموافق ل1500م وهدم المدينة بها وهي الغربية. .

يتضح على أن مدينة الغربية قد هدمت على يد الوطاسيين في فترة حكم محمد بن محمد الشيخ الوطاسي ، ولعل السبب في ذلك هو الوقوف ضد الوجود البرتغالي بالمنطقة ، إذ يصف الحسن الوزان ذلك بقوله ” وكان سلطان فاس أرسل لكبارها بعدما سقطت في يد البرتغال وأمرهم شق العصا على البرتغال ونهاهم على أداء الجزية له فأبى كبيرهم فأمر السلطان بجلده وأخذ ماله فشفعوا له فقبل شفاعتهم وأخليت المدينة امتثالا لأمره سنة 921 ه الموافق ل 1511 م ” وقد وصفها مار مول بقوله ” … وكانت من قبل غنية وكثيرة السكان ، وعاصمة المنطقة ، لأنه لا يوجد قط بلد في كل مملكة مراكش أكثر منه خصوبة فيما يخص إنتاج القمح والكلأ …. ”  ونظرا إلى أهمية المنطقة فلاحيا فقد تعرضت لهجومات برتغالية مستمرة إذ يقول مار مول في كتابه ” إفريقيا ” : قام البرتغاليون سنة 1511 م بغزوة شنيعة على المناطق المجاورة لآسفي … فقتلوا 300 شخص وأخذوا 560 كأسير من النساء والرجال والأطفال كما أخذوا 1000 فرس و 300 حمل ” ولم يخرج منها البرتغاليون، وقد خربوها وهجرها سكانها ثم عمرت من جديد لكن المجاعة التي أصابت المنطقة سنة 1521 م أرغمت السكان على تركها ولم يعد إليها العمران بعد ذلك. على أن أسباب تخريب هذه المدينة وهجرها لا تنحصر فيما سلف بل نجد سببا آخر يكمن في التنافس بين العرب الهلاليين الذين استقروا في المنطقة لمراقبة البربر وتحقيق استقرار سياسي لكنهم ظلوا ينظرون إلى البربر القاطنين في المدن باستياء ، وكلما أتيحت لهم الفرصة وتمكنوا من اقتحام هذه المدينة فخربوها وعارضوا إعادة تعميرها .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!