سحب بطاقة الصحافة من مدير “إكسبريس”: بين غياب التأطير المهني وهيمنة منطق البوز

11 أكتوبر 2025آخر تحديث :
سحب بطاقة الصحافة من مدير “إكسبريس”: بين غياب التأطير المهني وهيمنة منطق البوز

دكالة 24: بقلم: الأستاذ محمد عيدني – فاس

أثار قرار لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية التابعة للجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، القاضي بسحب بطاقة الصحافة المهنية من مدير نشر الصحيفة الإلكترونية “إكسبريس” لمدة سنة، جدلاً واسعًا في الأوساط الإعلامية. القرار جاء على خلفية بث شريط مصور تضمن دعوة صريحة إلى العنف والقتل، وعرض صور وتصريحات لقاصرين في خرق واضح لمقتضيات ميثاق أخلاقيات المهنة، ما أعاد إلى الواجهة النقاش القديم-الجديد حول مهنية الصحافة الرقمية وحدود الحرية والمسؤولية.

إن هذا القرار الصارم لا يمكن قراءته بمعزل عن التحولات التي تعرفها الساحة الإعلامية الوطنية، والتي طفت على سطحها في السنوات الأخيرة ممارسات إعلامية غير مهنية، يغيب فيها التأطير والتكوين، ويحضر فيها منطق “البوز” والرغبة في جلب المتابعين بأي ثمن.
فالكثير من المنابر الإلكترونية أصبحت تُدار بعقلية التسويق الرقمي أكثر من روح العمل الصحفي، مما يجعلها أحيانًا تنزلق إلى ممارسات تسيء إلى المهنة وتُهدد مصداقيتها.

إن أول الأسباب التي يمكن التوقف عندها هو غياب التأطير والتكوين المستمر للمراسلين. فعدد من الصحفيين الجدد الذين يلجون الميدان يفتقرون إلى معرفة دقيقة بالقوانين المنظمة، وبأخلاقيات العمل الإعلامي، وهو ما ينعكس في طريقة تناولهم للخبر، خاصة حين يتعلق الأمر بقضايا حساسة تمس القاصرين أو تحرض على العنف.

وفي غياب مؤسسات إعلامية حقيقية تؤطر وتواكب أداء المراسلين، يتحول الإعلام إلى فضاء مفتوح للفوضى المهنية، تُختزل فيه الرسالة الصحفية في مجرد “مشاهدة” أو “ترند”.

السبب الثاني يتجلى في هيمنة ثقافة “البوز”، التي أضحت معيار النجاح لدى كثير من المواقع الإلكترونية، على حساب الموضوعية والمصداقية. لقد أصبح همّ بعض المنابر تحقيق نسب مشاهدة مرتفعة ولو على حساب القيم والضوابط المهنية، مما جعلها تنخرط في سباق محموم لتضخيم الأحداث وتوجيه الخطاب نحو الإثارة والجدل.

وهنا يبرز السؤال الجوهري: من يتحمل المسؤولية؟
هل هو الصحفي الذي يتجاوز حدود الميثاق الأخلاقي؟ أم مدير النشر الذي يغضّ الطرف عن التجاوزات؟ أم أن المسؤولية تمتد لتشمل أيضًا الوزارة الوصية التي لا تقوم بالدور الكافي في التكوين والمواكبة والمراقبة؟

من هنا تبرز الحاجة الملحة إلى تحديد دقيق لأدوار الفاعلين داخل المؤسسات الإعلامية، وعلى رأسهم أرباب المقاولات الصحفية، الذين يتحملون مسؤولية ضبط الخط التحريري واحترام أخلاقيات المهنة داخل مؤسساتهم. فلا يكفي أن تُصدر المنابر الرقمية مواد إعلامية متدفقة دون مساءلة داخلية أو ضبط تحريرِي يضمن احترام الكرامة الإنسانية والقوانين المؤطرة للمهنة.

كما أن وزارة الاتصال مطالَبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتعزيز برامج التكوين والتأطير، ووضع آليات تتبع ومراقبة واضحة، حتى يعرف كل فاعل إعلامي حدوده المهنية ومسؤولياته القانونية.

إن قرار سحب بطاقة الصحافة لا يجب أن يُقرأ فقط كإجراء تأديبي، بل كنقطة تحوّل في مسار تصحيح المشهد الإعلامي الرقمي، ودعوة صريحة إلى إعادة الاعتبار للمهنية والالتزام الأخلاقي في ممارسة الصحافة.

فالإعلام الحر لا يُبنى على الفوضى أو على الإثارة، بل على المسؤولية والوعي بخطورة الكلمة وأثر الصورة في تشكيل الرأي العام.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!