في رحاب تاريخ بلاد دكالة الحلقة الثانية عشر

doukkala24
تقافة و فنون
25 أبريل 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
في رحاب تاريخ بلاد دكالة الحلقة الثانية عشر

دكالة 24:

استطاع البرتغال في شبه رد فعل له عن الفتوحات الإسلامية ، أن يقوم بحملات مستمرة قصد احتلال بعض شواطئ المغرب ومدنه الساحلية ومن أبرزها منطقة دكالة ، مستغلا في ذلك الأوضاع المنهارة التي كان يجتازها المغرب آنذاك ، غير أن صلابة وقوة أبناء المنطقة وشجاعة قبائلها وأعلامها من رجال التصوف والتربية الروحية … ودور الزوايا في التحريض على مواجهة المستعمر اضطر البرتغاليون إلى مغادرة المنطقة.

خلال هذه السلسلة سنفتح نافذة على أهم المراحل التي مرت بها منطقة دكالة وخاصة إبان الاحتلال البرتغالي وكيفية التصدي له من طرف القبائل والمدن والقرى  وأعلام  المنطقة … حتى إجلائه عنها مستعينين في ذلك بالعديد من المراجع والمصادر.

——- إعداد: أحمد مسيلي —– الحلقة 12

في رابع مارس 1769 م الموافق لفاتح رمضان 1182 ه فرض الحصار على المدينة برا وبحرا وهكذا وضع المجاهدون ” ردونات ” ( تلال صغيرة ) من التراب والرمل على خط دائري حول المدينة ، أما المجانيق فقد نصبت على الشاطئ للتصدي للمراكب البرتغالية التي يمكن أن تصل عن طريق البحر ، كما طوقت بالمدافع التي وضعت حول المدينة ، وتجدر الإشارة إلى ” حجرة فكاك ” التي تعتبر من الأماكن الهامة التي اتخذت كقاعدة لإطلاق المدافع على المحتلين الدين ردوا على المسلمين بالمثل ، لكن البرتغاليين لم يصمدوا طويلا إذ تلاشت مقاومتهم ، فكتبوا لملكهم طالبين النجدة ، فكان جوابه أن أمرهم بالخروج من المدينة إن لم يستطيعوا الدفاع عنها لكنهم امتنعوا عن الخروج ، وقال قائدهم : ” لا نخرج منها حتى نهلك عن آخرنا إذ هي مآثر أجدادنا عجنت طينتها بدمائنا ، وفنيت عليها نفوس أكابرنا وأشرافنا ” .

لكن أمام عزيمة سيدي محمد بن عبد الله على الاستمرار في الجهاد حتى النصر، طلبوا منه الكف عن القتال، على أساس أن يمنحهم ثلاثة أيام لتسليم المدينة والخروج منها. استغل البرتغاليون تلك الفرصة للانتقام ، فقد كان غيظهم للهزيمة شديدا فأحرقوا أثاثهم وفراشهم وقتلوا الماشية وأفسدوا المدافع ودفنوا القنابل وبراميل البارود في أحياء المدينة ، فتفجرت وتهدم الصور الجنوبي منها ، وبدءوا في الرحيل إلى البرازيل حيث بنوا مدينة بها سموها ” مازا كاو ” باسم الجديدة .

دخل السلطان سيدي محمد بن عبد الله صحبة المجاهدين ، وقد ذاق فرحة النصر حتى انه خاطب المسلمين قائلا : ” الآن وقد استرجعنا بعون الله مدينة البريجة لتكون عمارتها من أهل دكالة وغيرهم من المجاهدين الدين تطوعوا في سبيل تحريرها . وعلينا أن نضاعف جهودنا من أجل بناء ما تهدم منها ونشيد بها الدور والمدارس والجوامع، ونسعى لتعميرها. ” وهكذا أقيمت الأفراح الشعبية ، وتنافس الشعراء في الإشادة بهذا الحدث العظيم . ومما جاء في دلك قول الشاعر أبي القاسم المراكشي :

ولعل في أهل الضلالة والكفر                       يهنأ أمير المومنين بهذا الظفر

أي رايس الكفار ويحك جئتنا                      يعود على الكفار بالهلاك الخسر

وضجوا فرارا من بريجاتهم حقا                  حكايتهم مثل القدود على الصخر

وبارك في عصر ذا الفاطمي محمدا            تراءت به الأكوان  النجوم والزهر

عمل سيدي محمد بن عبد الله على إصلاح ما تهدم ، فتم نقل المدافع إليها من المدن الداخلية وأسكن بها أهل دكالة وكان نجاح السلطان المغربي في طرد البرتغال من البريجة حافزا على غزو مدينة مليلية سنة 1185 هجرية كما أقام حامية قرب سبتة للسهر على الحدود .

وفي مجال التعليم ونشر الثقافة ، قام بتشجيع العلماء وبناء 30 مدرسة بالحواضر والبوادي وجلب المؤلفات من الشرق ، وساهم شخصيا في حركة التأليف والتكوين العلمي فحفظ أشعار العرب مع صحاح الحديث وأمهات الكتب وتركيزا للمملكة العلمية ، بدا في الانكباب على مجالس العلم وكان من دعاة السلفية التي تستمد من الكتاب والسنة تلك الاشراقة اللماعة التي تطبع الروح الإسلامية ببساطتها ونصاعتها وصفائها . وفي مجال توثيق روابطه بالعالم الإسلامي والأوربي , وطد علاقاته مع الأستانة وتبادل السفراء مع الباب العالي ، وقدم الهدايا إلى أمراء طرابلس ومصر والشام وصاهر شريف مكة الأمير سرور وربط شعبه بالحرمين الشريفين وبلاد الحجاز واليمن والعراق ، ورافق هدا الاتصال بالشرق العربي تقوية علاقات المغرب الودية مع أوربا مثل الدانمارك التي التزمت بدفع إتاوة للمغرب كما تعهدت بتقديم ما قيمته 20000 فرنك مقابل رسو سفنهم على الثغور المغربية ، وقد عرف السلطان كيف يركز سياسته الخارجية على تناقضات قوامها الجهاد لتحرير الثغور والأسرى وتطوير الاقتصاد وتنمية الموارد الوطنية بالاهتمام بالمبادلات التجارية مع أوربا التي عقد معها اتفاقات ومعاهدات مختلفة  ، وقد أشاد المؤرخ والقانوني الفرنسي ( جاك كابيي ) بالروح الدولية التي كانت تزكي السلطان لما كان يبديه أحيانا من آراء سبق بها ما عرفته أوربا في العصر الحاضر ، فاعترف للأجانب بحق ممارسة الديانة المسيحية وحرية التجول والملاحة في المياه المغربية بشروط دقيقة برهنت على إدراكه العميق لمقومات القانون الدولي وعن مدى إسهام المغرب في دعم التشريعات التي تعتبر أساسا للعلاقات الدولية في القرن العشرين .

سجل التاريخ للسلطان سيدي محمد بن عبد الله عزمه الدائم على رفع رأس المغاربة وهمة المغرب عاليا ، فمنع الاسترقاق ، فأصبح للمغرب مكانة كبيرة في عقد معاهدات تجارية مع الدول الأوربية فنظم ونشط التجارة مما دفع كل من الدانمارك والسويد والبندقية والبرتغال والولايات المتحدة الأمريكية في إرسال وتبادل السفراء والقناصل والهدايا السنوية إلى المغرب ، كما عقدت فرنسا وانجلترا واسبانيا وهولندا عددا من المعاهدات التجارية مع المغرب رغبة منها في الحصول على امتيازات تجارية ، وقد أعطت هاته السياسة الاقتصادية نتائجها المرموقة للمغرب ما بين 1767 م – 1789 م حيث انتقلت قيمة المبادلات من 7 ملايين إلى 17 مليون فرنك .

من مآثر سيدي محمد بن عبد الله  العمرانية بناء الدار البيضاء المقامة في حدائق أكدال بمدينة مراكش والتي أصبحت اليوم مستشفى ، ودار بيضاء أخرى بمدينة مكناس وهي اليوم أكاديمية عسكرية للجيش الملكي ، كما بنى مسجد الأزهر  ( مسجد الروى الحالي ) وفي فاس أسس مدرسة باب عجيسة وحصن مراسي الساحل في تطوان ( برج مارتيل ) إلى أنفا ومد بين فاس ومراكش طريقا ساحلية على هامش الطريق المارة بتادلة على طولها منازل للإيواء في قصبات المنصورية وفضالة ( المحمدية حاليا ) وانفا ، زود الرباط بسور جديد بالجنوب الغربي للمدينة في أكدال الحالية .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!